الأراء

عالم يتغير

فوزية رشيد

السفينة تغرق في أوروبا!

 لم يكن أحد يتخيل أن القطاع الصحي في أوروبا ومعها أمريكا بهذا الضعف وهذه الهشاشة التي اتضحت للعالم مع أزمة كورونا! لم يكن أحد يتخيل أن يتم الاختيار بين من يموت ومن يعيش من المصابين بالفيروس، تغليبا للمال أو الاقتصاد على الإنسان والإطاحة بكل الشعارات حول حقوق الإنسان، ومن الإنسان (المرضى وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة) فيتم التعامل معهم وكأنهم زوائد قابلة للتخلص منها برفع أجهزة التنفس أو الحياة عنها! هناك فيديوهات مؤلمة من أطباء ومرضى سواء من إسبانيا أو إيطاليا أو بريطانيا أو أمريكا.. أو.. يشكو أصحابها شكوى ممزوجة بالدموع عن الوضع الإنساني واللا أخلاقي، الذي يواجهه الأطباء والممرضون في التعامل مع المصابين جرّاء النقص الكبير في أجهزة التنفس والأسرّة فيتم التضحية بكل من هو فوق سن الـ65 أو أقل لإعطاء الفرصة لمن هم أصغر سنا! لقد انتبه العاملون في القطاع الصحي إلى أن أنظمة دولهم في الغرب وأمريكا الرأسمالية غير الإنسانية وغير الأخلاقية اعتنت جيدا بقطاعات المال والبنوك والاقتصاد ولكنها أهملت كل ما يتعلق بحياة الإنسان وحقوقه، على رأسها القطاع الصحي الذي لم يكن على استعداد إطلاقا لمواجهة أي أزمة صحية كبيرة إن حدثت!
‭{‬ لقد أصيب العالم بصدمة هائلة حول الدول الغربية الموضوعة في خانة الدول المتطورة والمتقدمة حين رآها عاجزة بشكل لا يصدق أمام أزمة فيروس كورونا! ورأى حجم الإهمال السابق للانتشار بين الناس، ثم نقص الإجراءات الاحترازية والعلاجية والأجهزة والمعدات وأماكن الحجر الصحي رغم اقتصاداتها الكبيرة وتقدمها العلمي والصناعي والتكنولوجي الذي اتضح أنه لم يضع اعتبارا كبيرا للقطاع الصحي والإنساني في زمن الأزمات الكبرى!
‭{‬  لقد كشفت الإجراءات الصينية التي تمكنت من احتواء الأزمة ثم تقدمت للمساعدة هي وروسيا لكل من إيطاليا وإسبانيا بل حتى أمريكا كيف أن السفينة الأوروبية واتحادها قد أوشكت على الغرق الكلي، بسبب اعتناء كل دولة أوروبية بنفسها وبحدودها، حتى من دون مراعاة أخلاق الجيرة وليس الاتحاد، لتأتي دول بعيدة مثل الصين فتمد يد المساعدة!
لقد انكشف أن الاتحاد الأوروبي هو اتحاد المال والاقتصاد والتجارة وليس اتحاد الشعوب والروابط الإنسانية، فكل ذلك ثبت عدم وجوده في أزمة كورونا، بل ثبت أن الشعوب الأوروبية الأكثر تضررا من الفيروس أدركت خواء مثل هذا الاتحاد، ما جعله يطرح اليوم تساؤلات مريرة عن مغزى الديمقراطية والرأسمالية والنظام الليبرالي الجديد والمعولم، الذي يضع الإنسان وقيمة الإنسان في آخر سلم أولوياته، رغم كل ادعاءاته حول الحقوق الإنسانية وحول القيم والتطور والتقدم، الذي هو في النهاية ليس إلا كارتلات أو تجمعات لأسياد المال في الغرب!
دول مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان وغيرها أدركت شعوبها حجم الزيف الذي أحاط بحياتهم (وهم يواجهون الموت) جراء انتشار الفيروس، وأن القيم الإنسانية والأخلاقية (المفقودة) في أنظمة الاتحاد الأوروبي تجعل من هذا الاتحاد ديكورا فارغا، لم يتمكن من إنقاذ السفينة الأوروبية الغارقة بعد أن تسرب الماء إلى ثغرات كبيرة فيها، ما سيجعل الأسئلة القادمة بعد كورونا أسئلة مقلقة وكبيرة عن جدوى هذا الاتحاد الأوروبي!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى