الأراء

الفايكنج والجذور

فوزية رشيد

الفايكنج والجذور

في إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وأمريكا ودولٍ غربية أخرى، أظهرتْ الأخبارُ أحوالَ الازدحامِ الكبير لمصابي «فيروس كورونا»، وحالةَ الضغطِ الشديد على الأطقمِ الطبية التي تسابق الزمن لإسعافِ من تريدُ إسعافهم، والأهم القصور الكبير في تأمين المعدات الطبية والمعقمات والكمامات، كمعداتٍ أولية لمواجهة الوباء، ورغم أن الكثيرَ من دول العالم قد تواجهُ ضغوطًا بهذا الصدد، إلاّ أن ما تناقلته الأخبارُ حول «القرصنة» على الناقلات البحرية، التي تنقل مواد طبية وإسعافيًّة ومعقمات وكمامات من جانب دول كبرى مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا وغيرها بل وحتى تركيا، والاستيلاء على ما فيها، وهي تتوجه إلى دولٍ منكوبة في أوروبا كإيطاليا وإسبانيا، يثير الاستغراب بالفعل! فهل وصلت مثل هذه الدول إلى هذا الطريق الذي تقوم فيه بالقرصنة البحرية الحديثة بما سُمي «حرب الكمامات» والاستيلاء على معدات طبية؟! ورغم أن الإنكار رافق تلك الأخبار من الدول ذاتها وخاصة أمريكا، إلا أن القيام بالأمر هذا فيه إهانةة كبيرة لها، إلى جانب الأنانية، ولا ينقصها في أسلوب القرصنة هذه إلا التعجّب من الحال الذي وصلت إليه دول تعتبر من أكبر اقتصاديات العالم، ودول متطورة وديمقراطية!
وأنا أتابع الأخبار داهمني استرجاع التاريخ الغربي وقصص «الفايكنج» وعمليات القرصنة والنهب التي كان يقوم بها هؤلاء وزعيمهم «فوجنر»الذي أنشأ سلالة القراصنة الغربيين من خلال رحلات القرصنة الأولى التي كان يقوم بها، من ميناء في النرويج، ولتتسع القرصنة بعد ذلك، ونهب وسلب بل وقتل أصحاب الأراضي الجديدة التي كان يتم اكتشافها، لتمتد جذور «الفايكنج» بعد ذلك وتؤسس «فلسفة غربية جديدة» بغزو دول غربية لدول أخرى «بغرض السيطرة عليها ونهب ثرواتها» ثم وصولا إلى «الاستعمار الغربي» الذي قامت به دول مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وهولندا وغيرها، لتتحول جذور القرصنة القديمة التي أسسها «الفايكنج» منذ «القرن الثامن ميلادي» إلى أساس لكل الغزوات والقرصنة الغربية هي الجذور للاستعمار الغربي للدول القائم على النهب والسلب والقتل لشعوب آمنة، تحت قهر السلاح والقوة، خاصة «بعد سقوط الأندلس» التي كان سقوطها مثارًا للتوجه الغربي لكل المخططات الاستعمارية الطامعة في جغرافيا البلاد العربية؟! و«تلك الجذور للفايكنج» هي التي تحولَّت في القرن الماضي إلى فلسفة ما يُسمى بإنشاء النظام العالمي الجديد، الذي من خلاله أسس «الماسون» كل فواجع المنطقة العربية والعالمية خاصة بعد انهيار الدولة العثمانية، وجرّ العرب إلى الثورة العربية الكبرى بدسائس من «لورنس العرب»!
ولنعد إلى قصة القرصنة على المعدات الطبية في البحار، فإننا نستغرب من أمر يخص تلك الدول الكبرى، التي لم تعمل مثلا باقتصاداتها وأموالها إلى التسريع في صناعة الأدوات الطبية والمعقمات اللازمة، أو استيرادها من مصانع دولية أخرى، أو تنشيط صناعتها الداخلية، بدلا من القيام بالقرصنة على السفن المحملة بالمعدات الطبية المتوجهة إلى دول منكوبة في أوروبا! والسؤال: هل بقي من أخلاقيات أو قيم أو ادعاءات حقوقية لتلك الدول، بعد أن كشفت أزمة «كورونا» أسوأ ما فيها في كل المجالات، وأوصلتها إلى حالة جدية في خلع الأقنعة والتصرّف كما كان يتصرّف الأجداد «الفاكينج»؟! حرب الكمامات كشفت الدول الديمقراطية مثلما كشفتها أمور أخرى كثيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى