مقالي اليوم هو امتداد لمقالي السابق بخصوص التنظيمات الاحوازية و ضرورات الوحدة و العمل الموحد بغض النظر عن جميع الاختلافات و الخلافات المحمودة التي تصب في مصلحتنا ، أو الغير محمودة و التي ان لم تصب في مصلحة عدوّنا فهي معوّق من المعوّقات التي تقف في طريقنا كشعب يناضل من أجل حريّته ، و هي مقالة مقتبسة بشكل كامل من نظريات و اطروحات فكرية لأحد المفكّرين العرب و انقلها لكم لكونها تنطبق علي المنخرطين في العمل السياسي الأحوازي بنسبة مئة بالمئة.
يتراءي للكثيرين من المراقبين للنشاطات التنظيمية السياسية الاحوازية بأن طابع الصراع يطغي علي العمل المشترك بين أعضاء و قيادات هذه التنظيمات و في ظني و اعتقادي لا يوجد صراع حقيقي بمعني الصراع بين هذه التنظيمات و انّ ما يوجد هو انعدام حس ادارة العمل المشترك لدي ( البعض ) و لكن الاشكالية في ذلك البعض انّ صوته أعلي من غيره و لذلك يبدو لنا انّ الصراع كبير بين الاحوازيين أياً كانت انتماءاتهم ، فالقضية هي قضية تعاطي أكثر من كونها قضية صراع بين الأطياف السياسية و الصراع ان كان يوجد ، هو صراع تنوّعٍ لا صراع تضاد ، صراع تنوّع في طريقة التعاطي لا صراع تضاد في الأفكار التي يحملها فريق ضد فريق ، و تقبّل الحديث عن الخلاف و مناقشته هو أمر حديث نسبياً اذا ما قورن بالانتعاشة الجديدة للقضية الاحوازية في السنين الاخيرة و الضرورات التي اضطرت هذه التنظيمات الي توحيد الجهود و لذا نري بعض الناشطين يعيش متعة الجديد فحسب و ليس شيئاً اكثر من ذلك.
علي سبيل المثال لا الحصر ، صاحب الآيديولوجيا الدينية أو العرقية المتطرّفة ان سألتموني عنه فهو نادر ، و نادر جداً و كذلك العلماني الحقيقي هو نادر جداً بين أبناء شعبنا و التنظيمات الممثلة لهم ، و ما نسميه بالمتطرف الديني و العرقي بين اوساط شعبنا هم في الحقيقة الملتزمين الخائفين علي الدين أو القوميون الخائفون علي الثقافة ، و في المقابل من يسمّون علمانيين او ليبراليين ، هم في الحقيقة مجرّد أشخاص غير متدينين أو غير معتقدين في الاسلام السياسي ، لم يجدوا لهم اسماً فسموهم علمانيين او ليبراليين و هم بريئون من العلمانية. نلاحظ ايضاً انه اذا قال قومي او اسلامي كلاما قد قاله ليبرالي او علماني قبله ، فاذا بالشعب يؤيد ذلك القومي او الاسلامي فيغضب ذلك من يسمّي ( علماني ) و يقول قد قلته قبله و لم يحييني أحد ، و ذلك يرجع الي ان أبناء الشعب و و الناشطين كانوا يخافون علي الدين و الثقافة من من يسمّون بال(علمانيين) و هم بريئون من هذه التسمية ، و لكن عندما يقول نفس الكلام متديّن او قومي ، يأمنونه بحكم قبولهم لايديولوجية ذلك الرجل . و هذا المثال خير دليل علي ان القضية ليس فيها صراع حقيقي و انّما صراع في طريقة التعاطي ، و لو سعي كل طرف من اطراف القضية أن ينبذ المتطرفون الذين في صفوفهم لتقارب كل ابناء الشعب بشتي انتماءاتهم .
المجتمع الأحوازي ، اذا ما تأملنا اليه في بنيته القبلية و المجتمعية ، مجتمع فئوي و علي سبيل المثال الاسئلة التي تطرح في الشارع من قبيل : من أي مدينة أنت ؟ من اي منطقة في تلك المدينة ؟ من اي قبيلة في تلك المنطقة و من اي فخذ في تلك القبيلة و من اي عائلة أنت ؟ و هذا خير دليل علي اللجوء الي التصنيف في البنية المجتمعية الأحوازية ، و هو أمر طبيعي و رائج في مجتمعنا و هذا لا يعني انّه أمر صائب اذ اننا يجب ان نبني وطناً يستقل عن هذه التصنيفات و يلجأ الي تصنيف اساسي ، و هو اننا وطن واحد يسلك هذا الدرب ، و احدي الاشكاليات بين السادة الناشطين السياسيين او المفكرين و المثقفين الأحوازيين الفاضلين هي انه احياناً حينما تكون قامة الشخص العلمية أو النفسية أقل من ذلك التصنيف او اضعف منه فيضطر مضطراً الي ان يبقي ضمن ذلك التصنيف و هنا ننوّه بأنه يجب لزاماً علي المثقف ان يحدد نفسه و في اي مكام يقع ، و ليس ضمن التصنيفات التي تطلق عليه من قبل الآخرين ، و علي الشعب ايضاً ان يحدد ذلك وفقا للمعايير السياسية و الاجتماعية و الدينية و القانونية المتعارف عليها .و بصورة عامة تقع هذه المعايير ضمن اربعة معايير هي الاساسية و تغني عن تصنيفات القومية او العلمانية او الدين ، و هي ان هذا المناضل السياسي الفاضل ، هل هو متخصص ام انه مفكّر في التخصص أم انّه مثقّف ام انه مفكّر في الثقافة العامة . المتخصص هو من يتقن فنّه ، و المفكّر في التخصص هو من يتقن فنه و يستطيع ان يضيف و يبدع و ان يقارب بين هذا الفن و الفنون الاخري و العلوم الاخري ، اما المثقّف فهو من يملك معلومات كبيرة منتشرة ، و المفكّر في الثقافة العامة هو من يستطيع تقديم رؤية جديدة و اطروحة جديدة في التعاطي مع المتغيّرات الموجودة علي الساحة .
قد يصرّ المجتمع او الفكر السياسي و النضالي علي التصنيف ، لكن المبدع هو من يستطيع اختراق ذلك المجتمع بدون انتقاص من غيره او من نفسه . قد يعطي المجتمع فئوية في طريقة تصنيفه للاخوة السياسيين و الناشطين ، فينظر الي القومي او المتديّن علي انه تقليدي و الليبرالي هو انسان مجدد فإذا جاء متدين او عروبي قومي بطرح متجدد نوراني ، يتم رفضه من المجتمع او المجاميع السياسية املاً في المحافظة علي التصنيف الذي يرسمونه هم للتديّن او العروبة و القومية و عبر حفاظهم عليه في تلك الصورة المرسومة له و عدم السماح له بالخروج من تلك القولبة النمطية و ذلك ليس حرباً له انّما حفاظا علي مفهوم الدين و التديّن أو القومية لديهم .
يجب علينا أن نميّز هنا بين قضيتين اساسيتين و هما الاختلاف و الصراع ، فالخلاف هو امر طبيعي و هو محفز للأمم و الجماعات و هو امر لا نستطيع العيش بدونه لانّه اساس التطوّر و هو امر قائم في الاوساط الاحوازية و العالمية عموما و هذا امر قائم وفقا للخبراء النفسيين علي ما يسمّي بأنساق التفكير و هما النسق المغلق و النسق المفتوح في التفكير ، و المغلق هو بناء فكرة معيّنة و البحث عمّا يدعمها و علي سبيل المثال اطلاق صفة العميل علي شخص و محاولة البحث عن ادلة تثبت هذه الصفة عليه في كتاباته و تصريحاته حتي نثبت عمالته ، امّا النسق المفتوح هو جمع الادلة و استنتاج تصوّر منها فإذا قيل لنا بأن شخصٌ ما عميل ، نسأل عن الأدلة و نبحث عن براهين ثم نراجعها و نناقشها. ان هذه المسألة عموما هي مسألة نفسية ترجع الي البيئة التي ترعرع فيها الانسان بغض النظر عن مواقفه السياسية او الوطنية او الانسانية و هي ما تحتم المعاملة النفسية السلبية العدائية مع اي شخص كان و خصوصاً مع من لا يتفقون معه في الرأي و هي تنعكس من نظرة دونية للذات تشكّل مركّب عدوان يوجّه في البداية الي نفسه و من ثم الي الآخرين كالمؤسسات و التنظيمات السياسية او المجتمع فإن كان مثقفاً وجهه الي غيره من الناس و ان كان انساناً عادياً وجهه الي المثقفين و السياسيين ، و أقول لجميع الاخوة المثقفين و السياسيين الاحوازيين الفاضلين علي شتّي اطيافهم و انتمائاتهم ، حينما ينتقدكم او يهاجمكم أحد بعدوانية و بعنف شديد و انتقادات عنيفة يجب علينا أن نرحمه فهو أخونا و ابن وطننا و هو يتصرّف علي هذا الاساس ربما من بنية نفسية خاطئة لا من مواقف وطنية او سياسية او دينية معادية ، فإن اساء الادب كن راقياً و ان كان يبني نفسه علي حساب الوطن و القضية فلست مضطراً لالحاق ضرر اكبر بالوطن بردود أفعالٍ لا تكون محسوبة .
احمد زرقاني