ابتعت منذ فترة دراجة هوائية تماشياً مع نمط الحياة في البلد الذي اعيش فيه و في احد الأيام جاءني أحد الاصدقاء الذين يقطنون علي مقربة من منزلي و طلب مني ان اعيره الدراجة ليقضي بها بعض حاجياته . و بعد فترة من الزمان انتهي هذا الصديق من قضاء حاجياته و اعاد الي الدراجة و هو يقول : ان المقعد مرتفع جدا و قد سبب لي الما ، انزله كي لا يسبب لك الما بالمثانة نظرا لارتفاعه !
و حتي هذه اللحظة ، يبدو الامر طبيعياً الا ان الغريب في الامر ان هذا الشخص أقصر مني جسدياً و ذلك هو السبب الذي ادي الي مضايقة المقعد له ، لكن المقعد مناسب تماما لجسدي و طولي.
هذا الصديق حاصل علي شهادة معتبرة من احدي الجامعات الراقية في احدي البلدان العربية و هو انسان ناجح من الناحية المهنية و يعتبر ذكياً من الناحية العملية الا انه مع ذلك لم يتعب نفسه ليفكر في الامر و لو لبرهة من وجهة نظري و مع اخذي و اخذ مقوماتي الجسدية بعين الاعتبار بل قام باصدار حكمه فور ادراكه بان ارتفاع المقعد غير مناسب له و كأنني اشتريت الدراجة من مال ابيه ، او كأنها دراجة ابيه اصلا ً!
المؤسف في الامر ان بعض الاشقاء العرب ممن يتعاطون السياسة لا يختلفون كثيراً عن هذا الشخص من ناحية التفكير ، فهم يقومون بمهاجمة كل من تبني فكرا قد يتعارض مع توجهاتهم او انتمي او تيار قد يكون علي خلاف مع التيارات التي ينتمون اليها ، متناسين بأن المقومات التي بنيت عليها مجتمعاتنا لا بل دولنا اصبحت مختلفة كثيرا عن الماضي و ان ما قد يكون مناسباً لدولة او حكومة او توجه فكري معين قد يكون مضراً لدولة او حكومة او توجهات فكرية اخري و العكس صحيح ، فنحن اليوم علي الرغم من كوننا عرب و مسلمين ، الا اننا قد انقسمنا الي دول و مذاهب و احزاب و انتماءات و توجهات ما انزل الله بها من سلطان و بحكم هذا الامر و بحكم اختلاف القائمين علي شؤون الدول العربية من المحيط الي الخليج ، اصبح من الوارد جداً ان تكون مصلحة تيار او فكر او انتماء ما ، مع توجهات فكرية قد تكون علي النقيض حلفاء و داعمي التيار نفسه .
***
قد نتفهم الأمر حين يقوم بعض الاخوة بتقديم مصالح دولهم و توجهاتهم علي المصالح المشتركة و الفعاليات التي يستنفع بها ابناء الامة جميعا فنحن اليوم لسنا نحن الامس ، فهذا يدعم حروبا ضد المسلمين من اجل اقتصاده و ذاك يكيد لابناء جلدته من اجل مكانة سياسية بين الدول و هذا يسكت عن الحق خوفا علي نفسه ، و جناب السطان لم يظهر في خطاب منذ عصر الابيض و الاسود و هذه حال امتنا المجيدة ، الا ان ما لا استطيع تقبله هو ان يتم تخوين الكثير من الشرفاء فقط لكونهم يقومون بما يقوم بيه غيرهم من امور تعتبر ديدن السياسة كالتحالف مع الاعداء ال” مفترضين ” من اجل اضعاف الاعداء ذوي الاولوية و ما الي هنالك من امور يتم اختصارها بكلمة سياسة ، و لايخفي علي احد بان التاريخ لم و لن يكون اكثر وضوحا بخصوص مصير كل خائن لوطنه و شرفه و اخوته مهما طال الزمان ام قصر .
***
البعض يقول بأننا نحن الاحوازيين نفتقر الي الحنكة السياسية و هو امر قد لا يكون خاطئا فنحن لسنا سياسيين و لن نكون ، نحن ثوار ، ولدنا و نموت ثوار منزهين من السياسة و كذبها و نفاقها و ازدواجية معاييرها و شتان ما بين السياسي و الثائر .